من
المقررأن الأصل أنه لا سبيل إلى الطعن في أحكام محكمة النقض ، فهي الصورة المثلى للأحكام الباتة التي تحوز
حجية الشئ المحكوم فيه طبقاً للمادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية ، و من ثم لا
سبيل إلى مراجعة قضاء محكمة النقض باعتبارها جهة القضاء العليا ، ذلك ما لم تتوافر
شروط التماس إعادة النظر في حكمها الصادر في الموضوع في الأحوال التي تتصدى له
فيها ، أو في حكم محكمة الموضوع الذي رفض الطعن فيه بالنقض ( قانون الإجراءات
الجنائية و قانون حالات و إجراءات الطعن بالنقض – للمستشار الدكتور/ حسن علام –
الطبعة الثانية 1991 – ص 34 ).
و
قد نصت المادة رقم 47 من قانون حالات و إجراءات الطعن بالنقض سالف الذكر و المضافة
بالقانون رقم 74 لسنة 2007 على أنه :
" لا يجوز الطعن في أحكام محكمة النقض و لا في
أحكام المحاكم المنصوص عليها بالمادة 36 مكرراً من هذا القانون بأي طريق من طرق
الطعن إلا إذا توافرت حالة من حالات إعادة النظر المنصوص عليها في قانون الإجراءات
الجنائية ، متى كانت المحكمة قد نقضت الحكم المطعون فيه و تصدت لنظر الموضوع ".
إلا
أن محكمة النقض ، تقديراً منها لعدم وجود وسيلة أخرى للمراجعة في شأن ما قد يعتري
الإجراءات أمامها من خطأ يمس حقوق بعض الخصوم ، قد استنت في سبيل الوصول إلى
السلامة القضائية سنة الرجوع عن قضائها في بعض الأحوال ، و ذلك بقبول طلبات لإعادة
نظرالطعن إذا تبين أن معلومات خاطئة قد شابت تناولها للطعن لدى الفصل فيه مما أدى
إلى الحكم بسقوطه أو عدم قبوله ، فترجع في حكمها بناء على ما يثبت لها من حقيقة
الحال بناء على ما يظهر لقلم الكتاب ، أو للنيابة العامة من وقوع مثل ذلك الخطأ
، بناء على طلب من الخصم صاحب المصلحة ، و
تقضي في الطعن مجدداً على أساس ما يقدم إليها من معلومات صحيحة في شأن تنفيذ
العقوبة أو درجة قيد المحامي الذي وقع تقرير الأسباب أو سلامة توكيله عن الطاعن ،
و ما إلى ذلك من الأسباب التي تمنع قبول الطعن شكلاً .( المستشار الدكتور/ حسن
علام – مرجع سابق – ص 35 ، 36 ).
كذلك
قبلت محكمة النقض – على خلاف القياس – الرجوع في حكمها في بعض الأحوال لمجرد الخطأ
في إعمال مبدأ قانوني ثابت كعدم إضرار الطاعن بطعنه ، و ذلك بوجه خاص لدى وقوع هذا
الخطأ في فصلها في الموضوع لدى الطعن على الحكم للمرة الثانية طبقاً لما تقضي به
المادة 45 من قانون حالات و إجراءات الطعن بالنقض ، و ذلك حيث لا يسعف التماس
إعادة النظر في إصلاح الخطأ القانوني ( المستشارالدكتور/ حسن علام – مرجع سابق – ص
36 ).
و
قد أجملت محكمة النقض سبب إعمالها مبدأ الرجوع المذكور في تحقيق حسن سير العدالة
، فالعدالة هي الهدف و الغاية من كل تلك
الإجراءات و القواعد ، فقد قضت محكمة النفض بأن :
" محكمة النقض هي خاتمة المطاف ، و أحكامها باتة
لا سبيل إلى الطعن فيها، و لئن كان قضاء
الدوائر الجنائية بالمحكمة جرى على الرجوع في أحكامها في أحوال مخصوصة تحقيقاً
لحسن سير العدالة ، إلا أن ما يؤسس الطالب
عليه طلبه على نحو ما سلف بيانه يخرج عن تلك الأحوال ، مما يتعين معه الحكم بعدم
قبول الطلب ".
(
الطعن رقم 24551 لسنة 68 ق – جلسة 28/3/2005
)
وترجع
محكمة النقض في حكمها بناء على طلب يقدم
من النيابة العامة أو من أحد من الخصوم يعلن به الخصم الآخر ( الطعن رقم 788 لسنة
44 ق – جلسة 22/6/1975 – مشار إليه بالمرجع السابق ص 43 ، 44 ).
أمثلة
من رجوع محكمة النقض عن أحكامها :
1- عدم علم المحكمة بوفاة الطاعن أثناء نظر الطعن
، فقد قضت المحكمة بأن :
" إذا كان الحكم في الطعن بالنقض قد صدر بعد وفاة
الطاعن التي لم تكن معلومة للمحكمة وقت صدوره ،
فإنه يتعين العدول عن الحكم المذكور و القضاء بانقضاء الدعوى الجنائية
لوفاة المحكوم عليه ".
(
نقض في 4/12/1962 أحكام النقض سص 13 ص 824 رقم 198 – مشار إليه بمؤلف الدكتور/عوض
محمد عوض – شرح قانون الإجراءات الجنائية – الجزء الأول – طبعة 1990 – ص 133 )
2- اعتقاد المحكمة أن الذي وقع على أسباب الطعن
غير مقبول أمام محكمة النقض ، ثم تبين لها عكس ذلك بعد قضائها بعدم قبول الطعن ،
فقد قضت بأن :
" متى كانت المحكمة قد استندت في قضائها السابق
بعدم قبول الطعن شكلاً إلى أن المحامي الذي قرر بالطعن هو الذي وقع الأسباب التي
بني عليها الطعن بتوقيع غير مقروء و أنه غيرمقبول أمام محكمة النقض ، ثم تبين فيما
بعد أن الذي وقع هذه الأسباب من المحامين المقبولين أمام هذه المحكمة ، فإنه يتعين
الرجوع في هذا الحكم و النظر في الطعن من جديد " .
( نقض في 27/2/1968 مج س 19 ص 288 - مشار إليه بالمرجع السابق ص 44 )
3- اعتقاد المحكمة أن محامي الطاعن لم يقدم سند
وكالته ، ثم يتبين لها تقديمه بعدالحكم بعدم قبول الطعن ، فقد قضت بأن :
" لما كان قد سبق لهذه المحكمة أن قضت بجلسة 22
من ديسمبر سنة 1974 بعدم قبول الطعن شكلاً استناداً إلى أن الأستاذ/.......
المحامي الذي قرربالطعن بالنقض نيابة عن الطاعن لم يقدم سند وكالته الذي يخوله ذلك
و قرر بالطعن بمقتضاه ، و إذ تبين بعدئذ
أن هذا التوكيل كان مرفقا ً بالمفردات و ظل بها،
دون أن يعرض على هذه المحكمة ضمن مرفقات ملف الطعن ، فإنه يتعين الرجوع في
ذلك الحكم و نظر الطعن من جديد " .
(
نقض في 11/5/1975 مج س 26 ص 396 - المرجع
السابق ص 4
4-
قضاء المحكمة بعدم قبول الطعن لعدم تقديم
سند وكالة المحامي عن الطاعن ثم يتبين لها أن ذلك
لوفاة المحامي قبل نظر الطعن ، فقد قضت بأن :
" حيث إن المحكمة سبق أن قضت بعدم قبول الطعن
شكلاً استناداً إلى أن محامي الطاعن لم يودع التوكيل الذي حصل التقريربالطعن
مقتضاه ، ثم تبين فيما بعد أنه كان يحمل توكيلاً ثابتاً يبيح له التقرير بالطعن عن
الطاعن ، إلا أنه نظراً لوفاة المحامي
المذكور قبل نظر الطعن فقد تعذر إيداع ذلك التوكيل ملف الدعوى بما يخرج عن إرادة
الطاعن ، فإنه يتعين الرجوع في هذا الحكم
و النظر في الطعن من جديد ".
(
نقض في 17/2/1975 مج س 26 ص 154 – المرجع السابق ص 44
5-
إذا اعتقدت المحكمة أن الطاعن لم يودع أسباب طعنه ، ثم يبين لها أنها قدمت و لكن
لم تعرض عليها ، فقد قضت بأن :
" إذا كانت محكمة النقض سبق أن قضت بعدم قبول
الطعن شكلاً استناداً إلى أن الطاعن لم يقدم أسباباً لطعنه ، غير أنه تبين بعدئذ
أن أسباب هذا الطعن كانت قد قدمت و لم تعرض على هذه المحكمة قبل صدور الحكم بعدم
قبول الطعن ، فإنه يكون من المتعين الرجوع في ذلك الحكم السابق ".
(
نقض في 2/6/1974 مج س 25 ص527 ، نقض
في 19/5/1970 مج س 21 ص129 – المرجع
السابق ص 44
6- إذا قضت المحكمة بسقوط الطعن لعدم تقدم الطاعن
للتنفيذ قبل يوم الجلسة المحددة لنظر الطعن ، ثم يبين سبق صدور أمر بإيقاف التنفيذ
، فقد قضت بأن :
" متى كان الثابت أن الطاعن كان قد استشكل في
تنفيذ العقوبة المقيدة للحرية المقضي بها عليه ،
و أن النيابة العامة كانت قد أمرت بإيقاف التنفيذ مؤقتاً لحين الفصل في
الإشكال الذي رفعه الطاعن و الذي لم يفصل فيه ، مما مؤداه أن التزام الطاعن
بالتقدم للتنفيذ قبل يوم الجلسة المحددة لنظر الطعن كان قد سقط عنه منذ ذلك
التاريخ ، أي قبل صدور الحكم بسقوط الطعن
، و من ثم فإنه يكون من المتعين الرجوع في
ذلك الحكم السابق صدوره ".
(
نقض في 29/4/1968 مج س 19 ص 486
، نقض في 27/3/1977 مج س 28 ص
386 – المرجع السابق ص 44 ، 45
7- قضاء المحكمة بعدم جواز الطعن لاعتقادها صدور
الحكم المطعون فيه من محكمة أمن الدولة العليا ، ثم تبين لها عكس ذلك ، فقد قضت
بأن :
" متى كان قد تبين عند تنفيذ الحكم المطعون فيه و
الذي قضت محكمة النقض بعدم جواز الطعن فيه استناداً إلى أنه صدر من محكمة أمن
الدولة العليا ، أن الحكم المذكور قد صدر في الواقع من محكمة جنايات الأسكندرية
مشكلة وفق قانون الإجراءات الجنائية و ليست باعتبارها محكمة أمن دولة عليا ، فإنه
يتعين الرجوع في الحكم و نظر الطعن من جديد ".
(
نقض في 4/1/1970 مج س 21 ص17 – المرجع السابق ص 45 )
8- إذا فات المحكمة القضاء بنقض الحكم المطعون فيه
فيما يتعلق بالمسئول عن الحقوق المدنية
رغم لزوم ذلك بعد نقض الحكم في الشق الجنائي ، فقد قضت بأن :
"
حيث أنه قد تبين أن هذه المحكمة قضت بتاريخ 16/12/1996 في الطعن رقم 46949 لسنة 59
ق المقدم من الطاعنين بقبوله شكلاً و في الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه و إعادة
القضية إلى محكمة طنطا الإبتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى ، تأسيساً على أن الحكم لم يبين كيفية وقوع
الحادث و عناصر الخطأ الذي وقع من الطاعنين بالنسبة لجريمة الإصابة الخطأ المسندة
إليهما و عدم بيان موقف المجني عليه و مسلكه أثناء وقوع الحادث و كيف أن اصابته
لحقت به من جراء التيار الكهربائي المار بداخل الكشك الذي أسند إلى الطاعنين ترك
بابه مفتوحاً بحكم اشرافهما عليه مما نجم عنه إصابة الطفل المجني عليه بالإصابة
الموصوفة بالتقرير الطبي و التي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة هي بتر بذراعه
الأيسر.
و
حيث إنه لما كانت هذه المحكمة حين قضت
بقضائها السابق قد فاتها أن تقضي بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة للمسئول عن
الحقوق المدنية ، إذ أن نقض الحكم بالنسبة إلى الطاعنين يقتضي نقضه بالنسبة
للمسئول عن الحقوق المدنية لقيام مسئوليته عن التعويض على ثبوت الواقعة ذاتها التي
دين الطاعنان بها ، مما يقتضي نقضه و
الإعادة بالنسبة إلى المسئول عن الحقوق المدنية أيضاً ، عملاً بالمادة 42 من
القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات و إجراءات الطعن أمام محكمة النقض ، إذ ليس
ثمة ما يمنع قانوناً من أن ترجع محكمة النقض في حكمها المشار إليه و تقضي وفقاً
للقانون بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة للمسئول عن الحقوق المدنية أيضاً ".
( الطعن رقم 46949 لسنة 59 ق – جلسة
14/4/1997 )
9- إذا ترتب على حكمها في الطعن مخالفة قاعدة ألا
يضار الطاعن بطعنه ، فقد قضت بـأن :
" و حيث إن قاعدة وجوب عدم تسوئ مركز الطاعن هي
قاعدة قانونة عامة تطبق على طرق الطعن جميعها عادية كانت أو غيرعادية وفقاً للمادة
417 من قانون الإجراءات الجنائية و المادة 43 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن
حالات و إجراءات الطعن أمام محكمة النقض ، لما كان ذلك ، و كان واقع الحال في الدعوى الماثلة ... أن
الدعوى الجنائية رفعت على المتهم بوصف أنه.... و لما كان الثابت أن المدعية
بالحقوق المدنية لم تطعن في الحكم الصادر من محكمة ثاني درجة بتاريخ أول سبتمبر
سنة 1973 ، و قد نقض هذا الحكم بناء على
الطعن الحاصل من المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية وحدهما ، فإنه لا يجوز من بعد
أن يضارا بطعنهما ، و إذ كان الحكم الصادر من هذه المحكمة في 13 من أبريل سنة 1975
( في الطعن المرفوع للمرة الثانية ) قد قضى بتقدير التعويض بمبلغ ثمانية آلاف جنيه
، فإن الطعن بالنقض الحاصل من المتهم و المسئول عن الحقوق المدنية يكون قد أضر
بهما بما لا يتفق و صحيح القانون ( حيث كانت المحكمة الإستئنافية قد قدرته بمبلغ
خمسة آلاف ) .
لما
كان ذلك ، و كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه لا يوجد ما يمنع من أن ترجع هذه
المحكمة في حكمها بناء على طلب يقدم من النيابة العامة أو من أحد من الخصوم يعلن
به الخصم الآخر ، و هو ما انطوى عليه طلب إلتماس إعادة النظر المقدم ، فإنه يتعين الرجوع في الحكم الصادر من هذه
المحكمة بتاريخ 13 من أبريل سنة 1975 في خصوص ما قضى به في الدعوى المدنية ".
(
الطعن رقم 788 لسنة 44 ق – جلسة 22/6/1975 – مشار إليه بالمرجع السابق ص 43 ، 44 )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق